Fan Tsalis


(الفنُّ الثالث: البديع)
212
عِلْمٌ بِهِ وجوهُ تَحسينِ الكلامْ

تُعْرَفُ بَعْدَ رَعْيِ سابِقِ المرامْ

213
ثمَّ وجوهُ حُسنِهِ ضَرْبانِ

بِحَسَبِ الألفاظِ والمعاني

(الضّربُ الأوّل: المعنويّ)
214
وَعُدَّ مِنْ ألقابِهِ المطابقةْ

تشابُهُ الأطرافِ والموافَقَةْ

215
والعكسُ والتسهيمُ والمشاكلةْ

تزاوُجٌ رجوعٌ او مقابلةْ

216
تورِيةٌ تُدعى بإيهامٍ لِما

أُريدَ معناهُ البعيدُ مِنْهُما

217
ورُشِّحَتْ بما يلائمُ القريبْ

وجُرِّدَتْ بِفَقْدِهِ فَكُنْ مُنيبْ

218
جمعٌ وتفريقٌ وتقسيمٌ ومَعْ

كليهما أوْ واحِدٍ جمعٌ يَقَعْ

219
واللّفُ والنّشرُ والاستخدامُ

أيضاً وتجريدٌ لهُ أقسامُ

220
ثمّ المبالَغَةُ وصْفٌ يُدّعى

بُلوغُهُ قَدْراً يُرى ممتَنِعا

221
أوْ نائياً وَهْوَ على أنْحاءِ

تبليغٍ اغراقٍ غُلُوٍّ جاءِ

222
مقبولاً او مردوداً التّفريعُ

وحُسْنُ تعليلٍ لَهُ تنْويعُ

223
وقد أتوا في المذهبِ الكلامي

بحُجَجٍ كَمَهْيَعِ الكلامِ

224
وأكّدوا مَدْحاً بِشِبْهِ الذّمِّ

كالعَكْسِ والإدماجِ مِنْ ذا العِلْمِ

225
وجاء الاستتباعُ والتوجيهُ ما

يَحْتَمِلُ الوجْهينِ عِنْدَ العُلَما

226
وَمِنهُ قَصْدُ الجِدِّ بالهَزْلِ كَما

يُثْنَى على الفخورِ ضِدَّ ما اعْتَمى

227
وَسَوْقُ معلومٍ مساقَ ما جهلْ

لنكتةٍ تجاهُلٍ عنهمْ نُقِلْ

228
والقولُ بالموجِبِ قُلْ ضربانِ

كلاهُما في الفَنِّ معلومانِ

229
والاطرادُ العطفُ بالآباءِ

للشخصِ مطلقاً على الولاءِ

(الضّربُ الثاني: اللفظيّ)
230
منه الجناسُ وَهْوَ ذو تمامِ

مَعَ اتحادِ الحرفِ والنّظامِ

231
وَمُتَماثلاً دُعيْ إنِ ائْتَلَفْ

نوعاً ومُستوفىً إذا النوعُ اختَلَفْ

232
"لنْ يعْرِفَ الواحِدَ إلا واحدا"

فاخرج عنِ الكونِ تكنْ مشاهِدا

233
ومِنْهُ ذو التركيبِ ذو تشابُهِ

خطّاً ومفروقٌ بلا تشابُهِ

234
وإنْ بهيئةِ الحُروفِ اخْتَلَفا

فَهْوَ الذي يدعونَهُ المحرَّفا

235
وناقِصٌ معَ اختلافٍ في العددْ

وشَرْطُ خُلفِ النّوعِ واحِدٌ فَقَدْ

236
وَمَعْ تقارُبٍ مضارِعاً أُلِفْ

وَمَعْ تباعُدٍ بلا حقٍّ وصِفْ

237
وهوَ جناس القَلْب حيثُ يَخْتَلِفْ

ترتيبها للكلِّ والبعضَ أَضِفْ

238
مُجَنَّحاً يُدعى إذا تقاسَما

بيتاً فكان فاتحاً وخاتِما

239
ومعْ توالي الطَّرَفيْنِ عُرِفا

مُزدَوجاً كلُّ جِناسٍ أُلِفا

240
تناسُبُ اللّفْظَيْنِ في اشتقاقِ

وشِبْهِه فذاكَ ذو التحاقِ

241
ويَرِدُ التجنيسُ بالإشارةْ

مِنْ غَيْرِ أنْ يُذكَرَ بالعبارةْ

242
ومِنْهُ ردُّ عَجُزِ اللّفظِ على

صَدْرٍ فَفي نَثْرٍ بِفَقْرَةٍ جَلا

243
مكتنفاً والنّظمُ الاوّلْ أوّلا

آخِرُ مِصْراعٍ فَما قَبْلُ تلا

244
مُكَرّراً مجانِساً وما التَحَقْ

يأتي كـ" تخشى النّاسَ والله أحَقّْ"

(فصل: في السجع)
245
والسجْعُ في فواصلٍ في النّثرِ

مُشْبِهةٍ قافيةً في الشِّعْرِ

246
ضُروبُهُ ثلاثةٌ في الفَنِّ

مطرَّفٌ معَ اختِلافِ الوَزْنِ

247
مُرَصَّعٌ إن كانَ ما في الثانِيةْ

أو جُلُّهُ على وِفاقِ الماضِيَةْ

248
وما سِواهُ المُتَوازِ فَادْرِ

كَـ "سُرُرٍ مرفوعَةٍ" في الذّكْرِ

249
أبْلَغُ ذاكَ مُسْتَوٍ فما تَرى

أُخرى القرينَتَيْنِ فيهِ أَكْثِرا

250
والعَكْسُ إن يَكْثُرْ فَلَيْسَ يَحْسُنُ

ومُطلَقاً أعجازُها تُسَكَّنُ

251
وَجَعْلُ سَجْعِ كلٍّ غيرَ ما

في الآخَرِ التشطيرُ عِنْدَ العُلَما


(فصل: في الموازنة)
252
ثمّ الموازَنَةُ وهْوَ التسْوِيَةْ

لفاصِلٍ في الوَزْنِ لا في القافيةْ

253
وهْيَ المماثَلَةُ حيثُ يتّفِقْ

في الوَزْنِ لَفظُ فقرَتيها فاسْتَفِقْ

254
والقلبُ والتّشريعُ والتِزامُ ما

قَبْلَ الرَوِيِّ ذّكرُهُ لَنْ يَلْزَما

(السّرقاتُ)
255
وأخذُ شاعِرٍ كلاماً سَبَقَهْ

هُوَ الذي يَدْعونَهُ بالسَّرِقَةْ

256
وكُلُّ ما قُرِّرَ في الألبابِ

أوْ عادَةٍ فَلَيْسَ مِنْ ذا البابِ

257
والسّرِقاتُ عِنْدَهُمْ قِسْمانِ

خَفِيَّةٌ جَلِيَّةٌ فالثّاني

258
تَضَمُّنُ المَعنى جَميعاَ مُسْجَلا

أَرْدَؤهُ انْتِحالُ ما قَدْ نُقِلا

259
بِحالِهِ وألحقوا المرادِفا

بِهِ ويُدْعى ما أَتى مخالِفا

260
لِنَظْمِهِ إغارَةً وحُمِدا

حَيْثُ مِنَ السّابِقِ كانَ أجْوَدا

261
وأخذُهُ المعنى مُجرَّداً دُعيْ

سَلْخاً وإلْماماً وتَقسيماً فَعِ

(السّرقاتُ الخفيّة)
262
وما سِوى الظّاهِرِ أنْ يُغَيِّرا

معنىً بِوَجْهٍ ما ومحموداً يُرى

263
لِنَقْلِ أوْ خَلْطِ شمولِ الثاني

وقَلبِ أو تشابُهِ المعاني

264
أحوالُهُ بِحَسَبِ الخَفاءِ

تفاضَلَتْ في الحُسْنِ والثّناءِ

(الاقتباس)
265
الاقتباسُ أنْ يُضمَّنَ الكلامْ

قُرآناً او حديثَ سَيِّدِ الأنامْ

266
والاقتباسُ عِنْدَهُمْ ضَرْبانِ

مُحَوَّلٌ وثابِتُ المعاني

267
وجائزٌ لِوَزْنٍ او سِواهُ

تَغييرُ نَزْرِ اللّفظِ لا مَعْناهُ

(التّضمين والحَلُّ والعَقدُ)
268
والأخذُ من شِعْرٍ بِعَزْوِ ما خَفي

تَضمينُهُمْ وما على الأَصْلِ يفي

269
لنكتةٍ أجمَلُهُ واغتُفِرا

يسير تغييرٍ وما مِنْهُ يُرى

270
بيتاً فأعلى باستِعانَةٍ عُرِفْ

وشَطْراً او أدنى بإبداعٍ أُلِفْ

271
والعقدُ نظم النّثرِ لا بالاقتباسْ

والحَلُّ نثرُ النّظمِ فاعِرفِ القياسْ

272
واشترطوا الشُّهرةَ في الكلامِ

والمَنْعُ أصلُ مَذهَبِ الإمامِ

(التّلميح)
273
إشارةٌ لِقِصّةٍ شِعْرٍ مَثَلْ

مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ فَتَلْميحٌ كَمُلْ


(تذنيبٌ في ألقابٍ مِنَ الفَنِّ)
274
مِنْ ذلكَ التوشيعُ والترديدُ

ترتيبٌ اختراعٌ او تعديدُ

275
كـ"التائبون العابدون الحامدون"

"السائحون الرّاكعونَ الساجدون"

276
تطريزٌ اوْ تدبيجٌ استشهادُ

إيضاحٌ ائتلافٌ استطرادُ

277
إحالةٌ تلويحٌ اوْ تخييلُ

وفُرصَةٌ تسميطٌ اوْ تعليلُ

278
تحلِيةٌ ونَقْلٌ اوْ تَخَتُّمُ

تجريدٌ استقلالٌ اوْ تهَكُّمُ

279
تعريضٌ اوْ إلغازٌ ارْتقاءُ

تنزيلٌ اوْ تأنيسٌ اوْ إيماءُ

280
حُسْنُ البيانِ رَصْفٌ اوْ مراجَعةْ

حُسْنُ تَخَلُّصٍ بلا مُنازَعةْ

(فصلٌ: فيما لا يعدُّ كذباً)
281
وليسَ في الإيهامِ والتّهَكُّمِ

ولا التغالي بسوى المُحَرَّمِ

282
مِنْ كَذِبٍ وفي المِزاحِ قَدْ لَزِبْ

بحيثُ لا مندوحةٌ عنِ الكذبْ

(خاتمة)
283
وينبغي لصاحبِ الكلامِ

تأنُّقٌ في البدءِ والخِتامِ

284
بِمَطْلَعٍ حَسَنْ وحُسْنُ القالِ

وسَبكٌ اوْ براعَةُ استهلالِ

285
والحُسنُ في تَخَلُّصٍ اوِ اقْتضابْ

وفي الذي يدعونه فَصْلَ الخِطابْ

286
ومِنْ سِماتِ الحُسْنِ في الخِتامِ

إردافُهُ بِمُشْعِرِ التّمامِ

287
هذا تمام الجُملةِ المقصودةْ

مِنْ صَنْعَةِ البلاغَةِ المحمودةْ

288
ثمَّ صلاةُ اللهِ طولَ الأمَدِ

على النّبيّ المصطفى مُحَمَّدِ

289
وآلِه وصحبهِ الأخيارِ

ما غرَّدَ المشتاقُ بالأسحارِ

290
وخَرَّ ساجِداً إلى الأذقانِ

يبغي وسيلةً إلى الرّحمنِ

291
تَمَّ بِشَهْرِ الحِجَّةِ الميمونِ

متمّ نصفِ عاشِرِ القُرونِ

تم ولله الحمد نسخ هذا النظم الشريف في فنون البلاغة وضبط أهمّ مواضعه المشكلة في السادس من ربيع الأول سنة 1425 هجرية. سألت الله تعالى أن ينفعني به وإخواني، وأن يجعله فاتحاً لنا باب هذا العلم الجليل على مصراعيه.